تَبَسُّمُ الْمَوْتَى !! ... هَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ ؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وعلى مَن اقتفى أثره واهتدى بهداه؛ أما بعد :
فَمِِن أمثال تلك الأحوال!! التي تظهر على (بعض) البغاة! والخوارج!! عند موتهم أو بعد مماتهم، ويغتر بها كثيرٌ من الجهلة!!، فينشرونها محتجين بها على صواب مسلكهم!! -مِن قتال أولياء أمور (المسلمين)-:
ما يَرَوْنَه منهم مِن نطق الشهادتين قبل الموت، والتبسم بعد الموت، فيظنون -جهلاً منهم- أن ذلك الميت لم يتشهد قبل موته ولم يبتسم إلا لأنه شاهد ما يُفْرِحُهُ مِن حُسْنِ خاتِمَتِهِ!؛ (لكونه مات على الحق وفي سبيله!!) -بزعمهم!-، ثم ينشرون صورًا لهؤلاء القتلى المبتسمين!! معلقين عليها بقولة خبيثة! -يعلم المتبصر ما وراءها!!-: «أخبرني عن سِرِّ ابتسامتِكَ يا شهيد؟!»!!!!.
والجواب على ذلك من وجوه : -
◘ الوجه الأول:
فأما مسألة نطق الإنسان بالشهادة قبل موته وإن كان ضالاًّ وعاصيًا، فهذا وارد!، فيحتمل أنه تاب وندم قبل موته، ويحتمل أن يكون الله غفر له ذنبه الذي مات عليه، فغمره في بحور حسناته، فوفقه للنطق بالشهادة، ونحو ذلك. وأكبر دليل على ذلك: أن هذا الحال -النطق بالشهادة- لا يتكرر مع سائر الذين يُقْتَلون في هذا السبيل!!. وقد يُمَثَّلُ لذلك الوجه بحال الرئيس صدام حسين -رحمه الله-، فمع أنه كان بَعْثِيًّا!! -وكَفَّرَهُ كثيرٌ من العلماء لذلك-، وقتل من المسلمين ما قتل!!، ونهب من أموالهم ما نهب!!؛ إلا أنه مات ثابتًا ذاكرًا للشهادتين، مكررًا لهما!!، وهو عِنْد جميع الخوارج -بلا خلاف بينهم!-: يُعَدُّ مِن طواغيت الكفر!!.
◘ الوجه الثاني:
أن نُطْقَ إنسانٍ مُعَيَّنٍ بالشهادة قبل موته: إن دلَّ على أنه (قد) يكون خُتِمَ له بالحسنى، ويرجى له المغفرة -برغم أنه كان ضالًّا وعاصيًا-، إلا أنه لا ينبغي بالضرورة أن يكون دليلاً على صحة عمله سيما إذا تواترت النصوص الشرعية فقطعت بفساد عَمَلِهِ وتحريمه، وعَدِّهِ مِن كبائر الذنوب.
◘ الوجه الثالث :
أما بالنسبة للبسمات والضحكات التي تُشاهَدُ على المقتولين من الخوارج والبغاة العصاة المفسدين!؛ فلا تعدو كونها : إما هلاوس بصرية!!، أو فتنة الشيطان لهؤلاء الموتى قبل مماتهم!، ليفتن الأحياء بذلك!!. فقد يحدث مثل هذا الحال للكفار [كما يظهر بصورة المنشور].
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لنا هذا الحال -من التبسم بعد الموت- في علامات حسن الخاتمة!، فَمَنْ عَدَّهُ مِن علاماتِ حُسْنِ الخاتمة؛ فقد افترى على اللهِ -والنبيِّ- الكذبَ ولابد!!.
ويكفي أنه لم ينقل أحدٌ من الصحابة أن نبينا صلى الله عليه وسلم مات مبتسمًا!!، ولم يُعْرَفْ عن نبي قط! أنه مات مبتسمًا!!.
كما أن ذلك الحال -من التبسم بعد الموت- لم نعرفه في موتى وقتلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ولا يشك عاقل في أنهم كانوا أولياء الله المتقين المجاهدين حقا وصدقًا، ولا يُقارَنون بمَن جاء بعدهم أصلاً، فقد سبقت لهم من ربهم الحسنى وزيادة!!.
ثم مع الاحتمال الكبير لحدوث هذا الحال -من التبسم بعد الموت- في موتى وقتلى السلف على كثرتهم!- إلا أنهم أهملوا ذِكْرَ ذلك الحال!، فلم يلتفتوا إليه ولا عَدُّوه مِن علامات حسن الخاتمة.
فإهمالُ السلفِ ذِكْرَ ذلك -مع احتمال حدوثه-: لَهُوَ أكبرُ دليلٍ على أن مثل ذلك الحال لا يُعول عليه كعلامةٍ من علامات حُسْنِ الخاتمة؛ لما ذكرته آنفًا من عدم ثبوت ذلك شرعًا.
◘ شبهة:
فإن قيل: إن تبسم الموتى له أصل يدل عليه من السنة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا أَشْرَقَ لَهَا لَوْنُهُ وَنَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ [وفي رواية: وَإِنَّ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَاحَةً عِنْدَ الْمَوْتِ]، وَرَأَى مَا يَسُرُّهُ" قال عمر بن الخطاب: أَنَا أَعْلَمُهَا، هِيَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرَادَ عَلَيْهَا عَمَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ شَيْئًا أَنْجَى لَهُ مِنْهَا لَأَمَرَهُ بِهَا». أخرجه أحمد وأبو يعلى والنسائي وغيرهم، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.
فالجواب عن ذلك من وجوه :
* أولاً : أن إشراق اللون ليس معناه التبسم!، وإنما معناه الإسفار والإضاءة، كما قال ابن سِيدَه في «المحكم» (6/ 163): «أشرق لَونه: أسفر وأضاء»اهـ.
* ثانيًا : أن «إشراق اللون» المذكور: إنما هو في الآخرة وليس في الدنيا، بدليل تأخر ذكر «إشراق اللون» و«السرور» عقب ذكر خروج الروح من الجسد! كما في الرواية الأخرى -عند أبي يعلى والنسائي وغيرهما-؛ قال: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَاتٍ لَا يَقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ الْمَوْتِ إِلَّا نُفِّسَ عَنْهُ، وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ، وَرَأَى مَا يَسُرُّهُ». ويتأكد ذلك بالوجه التالي:
* ثالثًا : أن «إشراق اللون» المذكور يعني حصول النور للمُتَوَفَّي (يوم القيامة)، وذِكْرُ الوجه مِن باب التعبير عن الكل بِذِكْرِ الجزء وهو الوجه -كما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}-. وقد ورد «إشراق اللون» مُفَسَّرًا في الروايات الأخرى بقوله: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا ((كَانَتْ لَهُ نُورًا فِي صَحِيفَتِهِ))، وَإِنَّ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَاحَةً عِنْدَ الْمَوْتِ»، وفي راوية: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ إِلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحًا حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ، ((وَكَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))»
◘ الوجه الرابع:
ثم لو سلمنا -جدلاً- أن تبسم الموتى من علامات حسن الخاتمة!؛ كما حكاه الغزالي! في «الدرة الفاخرة» والقرطبي في «التذكرة» ص (186)
. من فتنة الموت، وذكرا الحديث الذي فيه: «أن إبليس لعنه الله وكل أعوانه يأتون الميت على صفة أبويه على صفة اليهودية، فيقولان له: مت يهوديا، فإن انصرف عنهم جاء أقوام آخرون على صفة النصارى حتى يعرض عليه عقائد كل ملة، فمن أراد الله هدايته أرسل إليه جبريل فيطرد الشيطان وجنده، فيبتسم الميت» وهو حديث لا أصل له!!.
فهذا التبسم:
1- إما أن يكون للسبب المذكور في ذلك الحديث -الذي لا أصل له!!-.
2- أو قد يكون سببه : أن ذلك الإنسان تاب وندم قبل موته، أو أن يكون الله غفر له ذنبه الذي مات عليه، فغمره في بحور حسناتِه، فأراه مِن البشريات ما جعله على تلك الحال -التبسم-. وأكبر دليل على ذلك: أن هذا لا يتكرر مع سائر الذين يُقْتَلون في هذا السبيل!!.
ولا يُمْكِنُ أنْ يكون سببُ ذلك التبسم -بحال-: أن ذلك الإنسان على طريق الحق!، و لا يَصِحُّ أنْ يُسْتَدَلَّ بحاله على كونه مات في سبيل الحق؛ إذ كيف يكون على الحق وقد مات عاصيًا لإمامه، مستحلاً لدمائه ودماء الجنود المسلمين، وإنْ كانوا مَرَدَةً فاسقين!، قلوبُهُم قلوب الشياطين!!.
ولنا عبرة في قصة الصحابة رضي الله عنهم مع عبد الرحمن بن مُلْجَمٍ -أشقى الخوارج حقًّا وصدقًا- قاتل -ابن عم رسول الله، الصحابي الجليل، أمير المؤمنين، الخليفة الراشد، المبشر بالفردوس الأعلى- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد أخرج ابن سعد في «الطبقات» (3/ 39) -بسند صحيح- من طريق أسباط بن محمد القرشي عن مطرف بن طريف عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن الْأَصَمِّ -الصحابي- رضي الله عنه قال:
«... لَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ وَدُفِنَ، بَعَثَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ لِيَقْتُلَهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَجَاؤُوهُ بِالنِّفْطِ! [وهو عامَّةُ القَطِرانِ] وَالْبَوَارِي! [وهي: أعواد مسنونة] وَالنَّارِ!!، فَقَالُوا: نُحَرِّقُهُ!!.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ [وهم أبناء علي بن أبي طالب]: دَعُونَا حَتَّى (نَشْفِيَ أَنْفُسَنَا مِنْهُ)!!.
1- فَقَطَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ!!؛ فَلَمْ يَجْزَعْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ.
2- فَكَحَلَ عَيْنَيْهِ (بِمِسْمَارٍ مُحْمًى)؛ فَلَمْ يَجْزَعْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَكْحُلُ عَيْنَيْ عَمِّكَ بِمُلْمُولٍ مَضٍّ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَّقٍ} حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ السُّورَةِ كُلِّهَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلَانِ!!.
3- ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَعُولِجَ عَنْ لِسَانِهِ لِيَقْطَعَهُ؛ فَجَزِعَ!.
فَقِيلَ لَهُ: قَطَعْنَا يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَسَمَلْنَا عَيْنَيْكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَلَمْ تَجْزَعْ؟!، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى لِسَانِكَ؛ جَزَعْتَ!!.
فَقَالَ: مَا ذَاكَ مِنِّي مِنْ جَزْعٍ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ فِي الدُّنْيَا فُوَاقًا لَا أَذْكُرُ اللَّهَ!!.
4- فَقَطَعُوا لِسَانَهُ!!،
5- ثُمَّ جَعَلُوهُ فِي قَوْصَرَةٍ [وهو وعاء] وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ!!!!.
... وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا أَسْمَرَ، حَسَنَ الْوَجْهِ، أَفْلَجَ شَعْرِهِ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، فِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ!!»
فهذا الخارجي الشقي قاتل علي!:
كان يُسَمِّي قتاله لحكام المسلمين جهادًا في سبيل الله -بزعمه!-، وكان يلهج -أثناء تعذيبهم إياه- يذكر الله!، وكان يتلو القرآن!!، فما توقف عن القراءة حتى أعجزوه عن ذلك بقطع لسانه!!، ثم قتلوه، فكان آخرُ ما نطق به لسانُهُ كلامَ الله عز وجل!!.
ومع ذلك!:
فلم يَغْتَرَّ أحَدٌ مِن الصحابةِ بِهَدْيِهِ التعبديِّ! الذي أبداه أثناء تعذيبه والذي مات عليه!؛ فلا هم تأثروا لحاله ولا مدحوا صبره على التعذيب عندما كان يذكر الله ويقرأ القرآن!!، ولا هم حركوا له ساكنًا!!؛ وما كان ذلك منهم إلا لعلمهم أن هذه الأحوال التعبدية لا يَصْلُحُ معها عملُ المفسدين، خلافًا لجهلة عصرنا!! الذين يعدون أمثال تلك الأحوال مِن علامات حسن الخاتمة!، أو أن صاحبها من الشهداء المتقين. فلله در بصيرة أصحاب النبي الأمين في الخوارج المارقين!!.
وكتبه أبو رقية الذهبي
نقلاً عن كتابي : «رفع الملامة عن جيش الكنانة في حربه لجماعة البدعة والخيانة»/ (قسم الشبهات)
◄ وإتمامًا للفائدة ►
◘ فتوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي في تبسم الموتى :
http://www.sahab.net/ forums/ index.php?showtopic=139579
◘ وهذه قصة القس؛ يزعمون فيها أنه عندما مات لم يكن مبتسمًا في أول الأمر، ثم لاحظوا الابتسامة بعد موته بفترة وجيزة!!، وفيه المزيد من الصور :
http://www.diakonima.gr/ 2009/07/18/ whys-the-smile-of-elder-jos eph-of-vatopedi-from-etern ity
◘ وهنا مصدر الصورة الثانية -صورة المرأة!-، ولم أقف فيه على قصتها :
http:// greekorthodoxchr.blogspot.c om/2009/10/ death-
of-orthodox-nun-eupra xia-in.html
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وعلى مَن اقتفى أثره واهتدى بهداه؛ أما بعد :
فَمِِن أمثال تلك الأحوال!! التي تظهر على (بعض) البغاة! والخوارج!! عند موتهم أو بعد مماتهم، ويغتر بها كثيرٌ من الجهلة!!، فينشرونها محتجين بها على صواب مسلكهم!! -مِن قتال أولياء أمور (المسلمين)-:
ما يَرَوْنَه منهم مِن نطق الشهادتين قبل الموت، والتبسم بعد الموت، فيظنون -جهلاً منهم- أن ذلك الميت لم يتشهد قبل موته ولم يبتسم إلا لأنه شاهد ما يُفْرِحُهُ مِن حُسْنِ خاتِمَتِهِ!؛ (لكونه مات على الحق وفي سبيله!!) -بزعمهم!-، ثم ينشرون صورًا لهؤلاء القتلى المبتسمين!! معلقين عليها بقولة خبيثة! -يعلم المتبصر ما وراءها!!-: «أخبرني عن سِرِّ ابتسامتِكَ يا شهيد؟!»!!!!.
والجواب على ذلك من وجوه : -
◘ الوجه الأول:
فأما مسألة نطق الإنسان بالشهادة قبل موته وإن كان ضالاًّ وعاصيًا، فهذا وارد!، فيحتمل أنه تاب وندم قبل موته، ويحتمل أن يكون الله غفر له ذنبه الذي مات عليه، فغمره في بحور حسناته، فوفقه للنطق بالشهادة، ونحو ذلك. وأكبر دليل على ذلك: أن هذا الحال -النطق بالشهادة- لا يتكرر مع سائر الذين يُقْتَلون في هذا السبيل!!. وقد يُمَثَّلُ لذلك الوجه بحال الرئيس صدام حسين -رحمه الله-، فمع أنه كان بَعْثِيًّا!! -وكَفَّرَهُ كثيرٌ من العلماء لذلك-، وقتل من المسلمين ما قتل!!، ونهب من أموالهم ما نهب!!؛ إلا أنه مات ثابتًا ذاكرًا للشهادتين، مكررًا لهما!!، وهو عِنْد جميع الخوارج -بلا خلاف بينهم!-: يُعَدُّ مِن طواغيت الكفر!!.
◘ الوجه الثاني:
أن نُطْقَ إنسانٍ مُعَيَّنٍ بالشهادة قبل موته: إن دلَّ على أنه (قد) يكون خُتِمَ له بالحسنى، ويرجى له المغفرة -برغم أنه كان ضالًّا وعاصيًا-، إلا أنه لا ينبغي بالضرورة أن يكون دليلاً على صحة عمله سيما إذا تواترت النصوص الشرعية فقطعت بفساد عَمَلِهِ وتحريمه، وعَدِّهِ مِن كبائر الذنوب.
◘ الوجه الثالث :
أما بالنسبة للبسمات والضحكات التي تُشاهَدُ على المقتولين من الخوارج والبغاة العصاة المفسدين!؛ فلا تعدو كونها : إما هلاوس بصرية!!، أو فتنة الشيطان لهؤلاء الموتى قبل مماتهم!، ليفتن الأحياء بذلك!!. فقد يحدث مثل هذا الحال للكفار [كما يظهر بصورة المنشور].
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لنا هذا الحال -من التبسم بعد الموت- في علامات حسن الخاتمة!، فَمَنْ عَدَّهُ مِن علاماتِ حُسْنِ الخاتمة؛ فقد افترى على اللهِ -والنبيِّ- الكذبَ ولابد!!.
ويكفي أنه لم ينقل أحدٌ من الصحابة أن نبينا صلى الله عليه وسلم مات مبتسمًا!!، ولم يُعْرَفْ عن نبي قط! أنه مات مبتسمًا!!.
كما أن ذلك الحال -من التبسم بعد الموت- لم نعرفه في موتى وقتلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، ولا يشك عاقل في أنهم كانوا أولياء الله المتقين المجاهدين حقا وصدقًا، ولا يُقارَنون بمَن جاء بعدهم أصلاً، فقد سبقت لهم من ربهم الحسنى وزيادة!!.
ثم مع الاحتمال الكبير لحدوث هذا الحال -من التبسم بعد الموت- في موتى وقتلى السلف على كثرتهم!- إلا أنهم أهملوا ذِكْرَ ذلك الحال!، فلم يلتفتوا إليه ولا عَدُّوه مِن علامات حسن الخاتمة.
فإهمالُ السلفِ ذِكْرَ ذلك -مع احتمال حدوثه-: لَهُوَ أكبرُ دليلٍ على أن مثل ذلك الحال لا يُعول عليه كعلامةٍ من علامات حُسْنِ الخاتمة؛ لما ذكرته آنفًا من عدم ثبوت ذلك شرعًا.
◘ شبهة:
فإن قيل: إن تبسم الموتى له أصل يدل عليه من السنة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «"إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا أَشْرَقَ لَهَا لَوْنُهُ وَنَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ [وفي رواية: وَإِنَّ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَاحَةً عِنْدَ الْمَوْتِ]، وَرَأَى مَا يَسُرُّهُ" قال عمر بن الخطاب: أَنَا أَعْلَمُهَا، هِيَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرَادَ عَلَيْهَا عَمَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ شَيْئًا أَنْجَى لَهُ مِنْهَا لَأَمَرَهُ بِهَا». أخرجه أحمد وأبو يعلى والنسائي وغيرهم، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.
فالجواب عن ذلك من وجوه :
* أولاً : أن إشراق اللون ليس معناه التبسم!، وإنما معناه الإسفار والإضاءة، كما قال ابن سِيدَه في «المحكم» (6/ 163): «أشرق لَونه: أسفر وأضاء»اهـ.
* ثانيًا : أن «إشراق اللون» المذكور: إنما هو في الآخرة وليس في الدنيا، بدليل تأخر ذكر «إشراق اللون» و«السرور» عقب ذكر خروج الروح من الجسد! كما في الرواية الأخرى -عند أبي يعلى والنسائي وغيرهما-؛ قال: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَاتٍ لَا يَقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ الْمَوْتِ إِلَّا نُفِّسَ عَنْهُ، وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ، وَرَأَى مَا يَسُرُّهُ». ويتأكد ذلك بالوجه التالي:
* ثالثًا : أن «إشراق اللون» المذكور يعني حصول النور للمُتَوَفَّي (يوم القيامة)، وذِكْرُ الوجه مِن باب التعبير عن الكل بِذِكْرِ الجزء وهو الوجه -كما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}-. وقد ورد «إشراق اللون» مُفَسَّرًا في الروايات الأخرى بقوله: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا ((كَانَتْ لَهُ نُورًا فِي صَحِيفَتِهِ))، وَإِنَّ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ لَيَجِدَانِ لَهَا رَاحَةً عِنْدَ الْمَوْتِ»، وفي راوية: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا رَجُلٌ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ إِلَّا وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحًا حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ، ((وَكَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))»
◘ الوجه الرابع:
ثم لو سلمنا -جدلاً- أن تبسم الموتى من علامات حسن الخاتمة!؛ كما حكاه الغزالي! في «الدرة الفاخرة» والقرطبي في «التذكرة» ص (186)
. من فتنة الموت، وذكرا الحديث الذي فيه: «أن إبليس لعنه الله وكل أعوانه يأتون الميت على صفة أبويه على صفة اليهودية، فيقولان له: مت يهوديا، فإن انصرف عنهم جاء أقوام آخرون على صفة النصارى حتى يعرض عليه عقائد كل ملة، فمن أراد الله هدايته أرسل إليه جبريل فيطرد الشيطان وجنده، فيبتسم الميت» وهو حديث لا أصل له!!.
فهذا التبسم:
1- إما أن يكون للسبب المذكور في ذلك الحديث -الذي لا أصل له!!-.
2- أو قد يكون سببه : أن ذلك الإنسان تاب وندم قبل موته، أو أن يكون الله غفر له ذنبه الذي مات عليه، فغمره في بحور حسناتِه، فأراه مِن البشريات ما جعله على تلك الحال -التبسم-. وأكبر دليل على ذلك: أن هذا لا يتكرر مع سائر الذين يُقْتَلون في هذا السبيل!!.
ولا يُمْكِنُ أنْ يكون سببُ ذلك التبسم -بحال-: أن ذلك الإنسان على طريق الحق!، و لا يَصِحُّ أنْ يُسْتَدَلَّ بحاله على كونه مات في سبيل الحق؛ إذ كيف يكون على الحق وقد مات عاصيًا لإمامه، مستحلاً لدمائه ودماء الجنود المسلمين، وإنْ كانوا مَرَدَةً فاسقين!، قلوبُهُم قلوب الشياطين!!.
ولنا عبرة في قصة الصحابة رضي الله عنهم مع عبد الرحمن بن مُلْجَمٍ -أشقى الخوارج حقًّا وصدقًا- قاتل -ابن عم رسول الله، الصحابي الجليل، أمير المؤمنين، الخليفة الراشد، المبشر بالفردوس الأعلى- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد أخرج ابن سعد في «الطبقات» (3/ 39) -بسند صحيح- من طريق أسباط بن محمد القرشي عن مطرف بن طريف عن أبي إسحاق السبيعي عن عمرو بن الْأَصَمِّ -الصحابي- رضي الله عنه قال:
«... لَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ وَدُفِنَ، بَعَثَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ فَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْنِ لِيَقْتُلَهُ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَجَاؤُوهُ بِالنِّفْطِ! [وهو عامَّةُ القَطِرانِ] وَالْبَوَارِي! [وهي: أعواد مسنونة] وَالنَّارِ!!، فَقَالُوا: نُحَرِّقُهُ!!.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ , وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ [وهم أبناء علي بن أبي طالب]: دَعُونَا حَتَّى (نَشْفِيَ أَنْفُسَنَا مِنْهُ)!!.
1- فَقَطَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ!!؛ فَلَمْ يَجْزَعْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ.
2- فَكَحَلَ عَيْنَيْهِ (بِمِسْمَارٍ مُحْمًى)؛ فَلَمْ يَجْزَعْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَكْحُلُ عَيْنَيْ عَمِّكَ بِمُلْمُولٍ مَضٍّ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَّقٍ} حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ السُّورَةِ كُلِّهَا وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَسِيلَانِ!!.
3- ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَعُولِجَ عَنْ لِسَانِهِ لِيَقْطَعَهُ؛ فَجَزِعَ!.
فَقِيلَ لَهُ: قَطَعْنَا يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ وَسَمَلْنَا عَيْنَيْكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَلَمْ تَجْزَعْ؟!، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى لِسَانِكَ؛ جَزَعْتَ!!.
فَقَالَ: مَا ذَاكَ مِنِّي مِنْ جَزْعٍ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ فِي الدُّنْيَا فُوَاقًا لَا أَذْكُرُ اللَّهَ!!.
4- فَقَطَعُوا لِسَانَهُ!!،
5- ثُمَّ جَعَلُوهُ فِي قَوْصَرَةٍ [وهو وعاء] وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ!!!!.
... وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ رَجُلًا أَسْمَرَ، حَسَنَ الْوَجْهِ، أَفْلَجَ شَعْرِهِ مَعَ شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، فِي جَبْهَتِهِ أَثَرُ السُّجُودِ!!»
فهذا الخارجي الشقي قاتل علي!:
كان يُسَمِّي قتاله لحكام المسلمين جهادًا في سبيل الله -بزعمه!-، وكان يلهج -أثناء تعذيبهم إياه- يذكر الله!، وكان يتلو القرآن!!، فما توقف عن القراءة حتى أعجزوه عن ذلك بقطع لسانه!!، ثم قتلوه، فكان آخرُ ما نطق به لسانُهُ كلامَ الله عز وجل!!.
ومع ذلك!:
فلم يَغْتَرَّ أحَدٌ مِن الصحابةِ بِهَدْيِهِ التعبديِّ! الذي أبداه أثناء تعذيبه والذي مات عليه!؛ فلا هم تأثروا لحاله ولا مدحوا صبره على التعذيب عندما كان يذكر الله ويقرأ القرآن!!، ولا هم حركوا له ساكنًا!!؛ وما كان ذلك منهم إلا لعلمهم أن هذه الأحوال التعبدية لا يَصْلُحُ معها عملُ المفسدين، خلافًا لجهلة عصرنا!! الذين يعدون أمثال تلك الأحوال مِن علامات حسن الخاتمة!، أو أن صاحبها من الشهداء المتقين. فلله در بصيرة أصحاب النبي الأمين في الخوارج المارقين!!.
وكتبه أبو رقية الذهبي
نقلاً عن كتابي : «رفع الملامة عن جيش الكنانة في حربه لجماعة البدعة والخيانة»/ (قسم الشبهات)
◄ وإتمامًا للفائدة ►
◘ فتوى الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي في تبسم الموتى :
http://www.sahab.net/
◘ وهذه قصة القس؛ يزعمون فيها أنه عندما مات لم يكن مبتسمًا في أول الأمر، ثم لاحظوا الابتسامة بعد موته بفترة وجيزة!!، وفيه المزيد من الصور :
http://www.diakonima.gr/
◘ وهنا مصدر الصورة الثانية -صورة المرأة!-، ولم أقف فيه على قصتها :
http://
of-orthodox-nun-eupra
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق